وضع سوريا وسط الهجوم الإسرائيلي في 2025

في أوائل عام 2025، تواجه سوريا مرحلة جديدة من التحديات مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على أراضيها، وذلك في سياق سياسي وعسكري معقد يعكس تحولات كبيرة شهدتها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. هذا الوضع يضع سوريا في مفترق طرق، حيث تتداخل الأزمات الداخلية مع التدخلات الخارجية، مما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا وغموضًا.
خلفية التصعيد الإسرائيلي
بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية المكثفة في سوريا بعد ساعات قليلة من انهيار نظام الأسد، مستغلة الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب القوات الحكومية السابقة من مواقعها الحدودية. أطلقت إسرائيل عملية عسكرية تحت اسم “سهم باشان” في 8 ديسمبر 2024، شملت توغلاً بريًا في المنطقة العازلة بين هضبة الجولان المحتلة والأراضي السورية، إلى جانب غارات جوية واسعة النطاق استهدفت البنية التحتية العسكرية السورية. بررت إسرائيل هذه التحركات بضرورة منع وصول الأسلحة الاستراتيجية، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، إلى أيدي جماعات تعتبرها “إرهابية”، بالإضافة إلى تعزيز أمنها القومي في ظل التحولات السياسية في سوريا.
بحلول أبريل 2025، كانت إسرائيل قد وسعت نطاق عملياتها، حيث شملت غاراتها مواقع عسكرية في دمشق، درعا، القنيطرة، وحتى مناطق وسط وغرب سوريا مثل حمص واللاذقية. كما أقامت مواقع عسكرية دائمة في المنطقة العازلة، مما أثار مخاوف من نية إسرائيل فرض واقع جديد على الأرض قد يمتد لسنوات.
الوضع السوري الداخلي
سوريا اليوم تعيش مرحلة انتقالية هشة تحت قيادة الإدارة الجديدة بزعامة أحمد الشرع، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بالأسد. تواجه هذه الإدارة تحديات جمة، أبرزها إعادة بناء الدولة وتوحيد الفصائل المسلحة تحت راية واحدة. الاقتصاد السوري منهار، والبنية التحتية مدمرة، والسكان يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. في هذا السياق، يضعف الهجوم الإسرائيلي قدرة الحكومة الجديدة على الاستقرار، حيث تُدمر الغارات ما تبقى من قدرات عسكرية، مما يعيق جهود إعادة الإعمار.
على الصعيد العسكري، ورثت الحكومة السورية جيشًا منهكًا ومفتتًا، معظم ترسانته دُمرت أو أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الغارات الإسرائيلية. ورغم محاولات دمج الفصائل المسلحة في إطار وزارة دفاع موحدة، فإن الضعف العسكري يجعل سوريا غير قادرة على مواجهة التصعيد الإسرائيلي بشكل مباشر.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
أثارت العمليات الإسرائيلية انتقادات واسعة. الأمم المتحدة، من خلال مبعوثها الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، أدانت التصعيد واعتبرته انتهاكًا لاتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، محذرة من تداعياته على الاستقرار الإقليمي. دول عربية مثل الأردن أعربت عن دعمها لوحدة سوريا وسيادتها، لكنها لم تقدم خطوات عملية لردع إسرائيل. تركيا، التي تدعم الإدارة السورية الجديدة، أكدت رفضها لأي تقسيم لسوريا، لكنها تبدو حذرة من الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
على المستوى الدولي، تباينت المواقف. الولايات المتحدة أُبلغت مسبقًا بالعمليات الإسرائيلية ولم تعارضها، بينما حذر الاتحاد الأوروبي من تصعيد قد يعرقل جهود الإدارة السورية الجديدة لتشكيل حكومة شاملة. روسيا، التي كانت حليفًا رئيسيًا لنظام الأسد، تتراجع نفوذها في سوريا، مما يعزز من هامش تحرك إسرائيل.
أهداف إسرائيل والتحديات المستقبلية
يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق عدة أهداف من خلال هجماتها. أولاً، تدمير القدرات العسكرية السورية لمنع أي تهديد مستقبلي محتمل. ثانيًا، فرض منطقة عازلة موسعة تحت سيطرتها لتعزيز أمن هضبة الجولان المحتلة. ثالثًا، إضعاف الإدارة السورية الجديدة للحيلولة دون ظهور قوة مركزية موحدة قد تشكل تحديًا لاحقًا. بعض المحللين يرون أن إسرائيل تخشى من توحد سوريا تحت قيادة قوية قد تعيد إحياء المطالبة بالجولان.
لكن هذه الاستراتيجية تواجه تحديات. المقاومة المحلية في الجنوب السوري، رغم ضعفها، بدأت تظهر بوادر تصدٍ للتوغل الإسرائيلي، كما حدث في بلدة كويا في مارس 2025. كما أن الضغط الدولي قد يتصاعد إذا استمر التصعيد، خاصة مع تزايد الدعوات لرفع العقوبات عن سوريا لدعم استقرارها.
الخلاصة
سوريا اليوم تقف على حافة الهاوية، بين محاولات داخلية لبناء دولة جديدة وهجمات إسرائيلية تهدف إلى إبقائها ضعيفة ومشتتة. الوضع الحالي يعكس توازنًا هشًا، حيث يعتمد المستقبل على قدرة الإدارة السورية على الصمود واستعادة السيطرة، وعلى الموقف الدولي الذي قد يحدد ما إذا كانت سوريا ستتجه نحو الاستقرار أو تنزلق إلى فوضى جديدة. في ظل هذا الواقع، تبقى سوريا ساحة صراع مفتوحة، تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية مع معاناة شعبها.
وائلش كمال ِ