سياسة
شارل فؤاد المصري يكتب :زيارة السيسي ماكرون لخان الخليلي.. دلالات أمنية وشعبية واقتصادية وانعكاسات على حرب غزة
رغم الإجراءات الأمنية المشددة، تفاعل المواطنون في خان الخليلي بحماس مع الزيارة

في إطار الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، اختار الرئيس عبد الفتاح السيسي ان ياخذ الرئيس الفرنسي لزيارة خان الخليلي، القلب النابض للتراث الشعبي والتاريخي في القاهرة، ليكون محطة رمزية تجمع بين الدبلوماسية العامة والتفاعل المباشر مع الشارع المصري.
حملت هذه الزيارة دلالات متعددة، أمنية وشعبية، فضلاً عن إسقاطاتها في ظل الأوضاع الإقليمية الملتهبة بحرب غزة والضغوط الاقتصادية التي تعاني منها مصر.
تُعتبر زيارة قادة دول إلى أماكن عامة مزدحمة مثل خان الخليلي تحدياً أمنياً كبيراً، خاصة في ظل التهديدات الأمنية التي شهدتها المنطقة في السنوات الماضية. حرص الجانب المصري على تأمين الزيارة بتدابير مشددة، مما أظهر قدرة الأجهزة الأمنية على إدارة الفعاليات الدولية بكفاءة، وهو ما يُرسل رسالة طمأنينة داخلية وخارجية حول استقرار مصر كوجهة آمنة للسياسة والسياحة.
كما أن اختيار خان الخليلي، الذي يمثل نموذجاً للتعايش الثقافي والتجاري، يعكس تأكيد الدولة حول الانتصار على الإرهاب واستعادة الأمان، وهو خطاب تكرّس بشكل خاص منذ تولي الرئيس السيسي الحكم.
من ناحية أخرى، تُظهر الشراكة الأمنية بين مصر وفرنسا، والتي تعززت خلال الزيارة، اهتماماً مشتركاً بمواجهة التحديات الإقليمية، مثل الهجرة غير المشروعة، خاصة في ظل تصاعد العنف في ليبيا والساحل الإفريقي. كما أن التنسيق الثنائي قد يمتد ليشمل دعم جهود مصر في تعزيز الحدود الشرقية، لا سيما مع تصاعد حرب غزة وتداعياتها على أمن سيناء.
رغم الإجراءات الأمنية المشددة، تفاعل المواطنون في خان الخليلي بحماس مع الزيارة، حيث مما يؤكد ذلك الهتافات الترحيبية بالرئيس السيسي، التي تعكس شعبية جارفة بين شرائح واسعة من المصريين.
هذا الحماس ليس وليد اللحظة، بل يتجذر في خطاب شعبي يرى في السيسي رمزاً للاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات التي أعقبت احداث ٢٥ يناير 2011.
كما أن صورته كـ”زعيم قوي” قادر على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية تلقى صدىً كبيراً، خاصة في أوساط الطبقات الشعبية التي تفضل الأمن على المخاطرة بالتغيير.
غير أن هذا المشهد لا يخلو من تعقيدات؛ فالكثير من المصريين يعانون من أزمات اقتصادية طاحنة، مثل ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الجنيه وزيادة الديون الخارجية.
هنا، يبرز سؤال: كيف يتعايش الدعم الشعبي للسيسي مع هذه التحديات؟.
الإجابة قد تكمن في الإدراك الجمعي بأن الأزمات الاقتصادية جزء من تداعيات أزمات عالمية كجائحة كورونا وحرب أوكرانيا ، وفي المقابل، يُنظر إلى الرئيس السيسي كحاجز ضد الفوضى الإقليمية، خاصة مع تصديره لخطاب يركز على “السيادة الوطنية” و”مواجهة المؤامرات”.
تأتي الزيارة في توقيت بالغ الحساسية مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث تلعب مصر دوراً محورياً في الوساطة لإعادة الهدنة وتقديم المساعدات الإنسانية
و يُعتبر الموقف المصري الداعم للقضية الفلسطينية عاملاً مُعززاً لشعبية الرئيس السيسي داخلياً، حيث يتفق هذا الموقف مع المزاج العام المصري والعربي الرافض للتطبيع مع إسرائيل دون حل عادل.
من ناحية أخرى، يُظهر التعاون مع فرنسا، التي تملك تأثيراً في الاتحاد الأوروبي، سعياً مصرياً لحشد دعم دولي لوقف الحرب، مما ينعكس إيجاباً على صورة مصر كفاعل إقليمي رئيسي.
ولا يمكن فصل الزيارة عن السياق الاقتصادي المصري الصعب، حيث تسعى مصر جاهدة لجذب استثمارات أجنبية وتخفيف أعباء الديون.
زيارة ماكرون رافقتها مفاوضات حول تعزيز الشراكة الاقتصادية، بما في ذلك مشاريع الطاقة الخضراء والدعم المالي، والتي قد تخفف من حدة الأزمة.
هنا، يبرز السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي كـ”بطل اقتصادي” في الخطاب الرسمي، رغم التحديات، عبر تسويق مصر كجسر بين أوروبا وإفريقيا، وكوجهة للاستثمار في قطاعات مثل الغاز والطاقة المتجددة.
زيارة خان الخليلي لم تكن مجرد حدث بروتوكولي، بل حملت من الدلالات الكثير ففيها إثبات للقدرة الأمنية، وتأكيد على الشرعية الشعبية للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستعراض للدور الإقليمي لمصر في ملف غزة، مع محاولة لفت الأنظار بعيدا عن الأزمات الاقتصادية عبر إنجازات دبلوماسية.
ومع ذلك، تبقى هذه الزيارة جزءاً من معادلة أكبر، حيث يتعين على القيادة المصرية مواصلة تحقيق التوازن بين تلبية الاحتياجات الداخلية الملحة والحفاظ على دور إقليمي فعّال، في ظل عاصفة من التحديات لا تبدو قريبة من الزوال.. ولكنها تعمل جاهدة علي ذلك دون كلل.