حي الزيتون.. عودة الروح الخضراء

حي الزيتون.. عودة الروح الخضراء
كنب نبيل محروس
في قلب القاهرة، حيث التاريخ يتنفس عبر الشوارع، وتتعانق المآذن مع أجراس الكنائس، يعود حي الزيتون ليروي حكايته من جديد.. حكاية أخاذة عن أشجار تتنفس الحياة، وعبادات تزدهر تحت ظلال الخضرة، ومجتمع يتحد ليرسم مستقبلاً أكثر إشراقًا!
هنا، في أحد أعرق أحياء القاهرة، تختزل الأرض تراثًا فريدًا.. حي الزيتون، الذي حمل اسمه من بساتين وأشجار شوارع الزيتون التي كانت تزين شوارعه كـ”لوحة طبيعية” في مطلع القرن الماضي. لكن الأجمل من اسمه الذى يعكس السلام والمحبة، هو قلبه النابض بالتعايش، حيث تتراص المساجد والكنائس جنبا إلى جنب، كشواهد حية على الانسجام: مسجد العزيز بالله ومسجد الأحمدي الظواهري، يصافحان كنيسة السيدة العذراء، التي تحمل ذكرى ظهورها السماوي عام ١٩٦٨، لتصبح قبلة للزائرين من كل حدب وصوب. بين الأزقة، تروي جدران مسجد الشهيد عاطف السادات وكنيسة ماريوحنا حكايات الإخاء، وكأنها تنشد: “هنا.. يبنى الوطن تحت سقف الإيمان والأخوة”.
لم تكن ٣٠٠ شجرة تيكوما صفراء التي شارك فى غرسها أبناء الحي و محبي البيئة مجرد نباتات، بل إعلان عن ثورة خضراء! بقيادة مؤسسة “أزرع شجرة للتنمية الأجتماعية” وبالتعاون مع مشروع “ميادين خضراء” المدعوم من مرفق البيئة العالمي (GEF)، وبمباركة محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، انتشرت الأشجار كـ”حرير أخضر” يكسو: شارع طومان باي، حيث تظلل الكنيسة والمسجد، كرمز للوحدة، و محيط شارع ترعة الجبل، لتعيد الذكريات العطرة عن أشجار الزيتون الذي غرسه الأجداد، وأمام مسجد الظواهري وكنيسة ماريوحنا، كرسالة ملهمة للجميع: “الأديان تجتمع تحت مظلة البيئة”.
ولأن الأحياء المستدامة ليست مجرد شعارات، بل واقع يلمسه السكان يوميا، وهو أكسجين نقي يخفف من عبء التلوث، وظلال وارفة تلطف أجواء الصيف، وأيضا مناظر طبيعية تهدئ النفوس، وتجعل الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة رحلة للروح والجسد معا، و فى النهاية تبقي الشجرة إرث يورث.. فكل شجرة تزرع اليوم، هي هدية لأحفادنا، تذكرهم بأن التعاون والجمال كانا دائما خيار أجدادهم!
ها هو الحي العريق الذى كانت أشجار الزيتون فى الماضي هي عنوانه، يستعيد اكتشاف هويته البصرية، ليس فقط بالحجر، بل بأوراق الأشجار التي تهمس بأمل جديد. هذه المبادرة ليست مجرد زراعة، بل إحياء لرؤية مصر ٢٠٣٠، فى رؤية مصر الخضراء، حيث الاستدامة والجمال والرفاهية تصبح حقا للجميع. تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.
نبيل محروس