تقارير

شنودة الأمير يواصل نشر فتح العرب لمصر ألفريد بتلر

الجزء الثالث والرابع

 

يواصل الكاتب شنودة الأمير تلخيص كتاب فتح العرب لمصر الذى كتبه ألفريد بتلر وترجمه للعربية الكاتب محمد فريد أبو حديد

 

ألفريد بطلر
3
في الوقت الذي كان هرقل يحتفل بانتصاره، كانت تدور أولى خطوات الصراع مع الإسلام في مؤته، وبعد فتح مكة تحرك النبي شمالاً مرة آخرى في غزوة تبوك، ولكنه عاد دون قتال الروم، وتوفي في 632م وخلفه أبو بكر، وقضى المسلمون على أي وجود يهودي أو مسيحي أو وثني في شبة الجزيرة وهدموا ودمروا أبنية النصارى، قد تكون أشهرها كنيسة صنعاء التي كانت آية من آيات الفنون، ولاشك أن ضعف الفرس والروم، وما كان بين المسيحيين أنفسهم من إنقسام وتشاحن، وكذا حب العرب للغنيمة والفيء وحماس إيمانهم الجديد، كل هذه العوامل دفعت العرب لغزو الشام وفلسطين، وقد كان عرب الحدود على علاقات وثيقة بالدولتين الفارسية والرومانية، وهؤلاء كانوا أكبر دعامة للجيوش العربية في غزواتها.
…..
نعلم أن الإمبراطور اتجه إلى هيرابوليس في 631م وبدأ في محاولاته لتوحيد الكنيسة حيث اختار أثناسيوس رئيساً لأساقفة أنطاكية وقيرس رئيساً لأساقفة الإسكندرية، ولقي قيرس معارضة عامة من جموع المصريين، حتى ان بعض الملكانيين في مصر كان يخالفه، وشرع قيرس في إخراج القبط عن مذهبهم جبراً وإضطراراً بالعسف والإضطهاد، وكان الأمر مشابهاً في بلاد الشام،غير أن الامر في بلاد الشام لم يبلغ من الشدة ما بلغه في مصر… وهذه الاحداث هي ما حدا بمؤرخ مثل أبو الفرج أن يقول: “ولما شكا الناس إلى هرقل لم يجب جواباً، ولهذا أنجانا الله المنتقم من الروم على يد العرب فعظمت نعمته لدينا أن أخرجنا من ظلم الروم وخلصنا من كراهتهم الشديدة وعداوتهم المرة. على أن كنائسنا لم ترجع إلينا لأن العرب أبقوا كل طائفة من المسيحيين على ما كان في يدها عند فتحهم للبلاد”. ويضيف بتلر: وإنه لمن المحزن أن يقرأ الإنسان مثل هذا الترحيب من قوم مسيحيين بحكم العرب وزعمهم أن ذلك كان تخليصاً لهم ساقه الله إليهم ليخرجهم به من حكم إخوان لهم في المسيحية . ولكن ذلك يظهر بجلاء قاطع أن سعي الإمبراطور في توحيد طوائف الكنيسة كان سعياً باطلاً غير ممكن وأنه لا شك جر عليه الدمار والوبال.
ومن الأسباب الهامة في تمكن العرب وانتصارهم في حربهم في الشام كانت المساعدات اليهودية. لقد صنع هرقل مذبحة ضخمة لليهود عند مدينة أذاسة، ونفى وقتل منهم الكثير، فهرب من استطاع إلى الصحراء فيما بين نهر الأردن، وكان هجوم العرب فرصة عظيمة لهم للإنتقام فساعدوهم بالأدلاء وأيضاً بالبشر (الجنود)، وأيضاً يذكر سيبيوس المؤرخ أن تأخر الأموال على العرب حراس الصحراء (القبائل الحدودية بين الشام والجزيرة) كانت من أسباب ثورتهم وإنقلابهم على الروم، لقد تضافرت العوامل من ضعف الدولة في حروبها مع الفرس، ثم الإنقسام الطائفي الداخلي بين المسيحيين في الشام ومصر، وكذا اضطهاد هرقل لليهود، إضافة لتمرد القبائل العربية على الحدود؛ كل ذلك أدى إلى هذه النتيجة الغريبة وهي إنتصار العرب على الروم في الشام ثم مصر.
بعد موت أبو بكر تولى عمر بن الخطاب الخلافة، وفي هذا التوقيت حاصر خالد بن الوليد دمشق، وسلمها له حاكمها “المنصور” على عهد يضمن سلامة أهلها (635م).. ويبدو أن هرقل اعتل جسده وهاجمته الأمراض وقد يكون هذا سبب من أسباب خذلانه أمام العرب.. وصالح صفرونيوس البطريرك على تسليم أورشليم بشرط أن يأتي عمر بنفسها ليكتب عهدها، وهو ما كان.
………
يتبع
شنودة الأمير
فتح العرب لمصر
ألفريد بطلر
4
من أحد الأديرة القليلة حول الإسكندرية التي نجت من التدمير خرج الراهب بنيامين الذي بذ معلميه في العلم والتقوى، وأصبح بنيامين مساعدا للبطريرك أندونيكوس، ثم خليفته رغم سنه إذ كان يبلغ وقت جلوسه على الكرسي المرقسي تقريبا خمسة وثلاثين عاما في 623م، وتوفي في 662م ونستطيع أن نقول أن مدة ولايته أكثر عهداً في تاريخ الكنيسة القبطية تقلباً وأعظمها حوادثاً، فقد عاصر أخر سنوات الفرس، وعودة الروم بقيادة هرقل حتى احتلال العرب، وقل في العصور القديمة من يعاصر تداول ثلاث إمبراطوريات وحضارات مختلفة على بلاده.
بعد انتصارات هرقل حاول توحيد العقيدة المسيحية في كل الإمبراطورية، وأرسل قيرس إلى مصر لهذا الغرض، وكان محتوماً أن لا يلقى المذهب الجديد في مصر نجاحاً، فالمصريين منذ القدم قدموا الدماء دفاعاً عن عقيدتهم وأفكارهم، وعندما جاء قيرس إلى الإسكندرية في خريف 631م هرب البابا بنيامين منها ولاذ إلى دير صغير بقوص في الصعيد، وقد يكون الهروب من وجه قيرس أنه عُين بطركاً ووالياً في ذات الوقت، فهذا سلطان مطلق في الواقع، وفي البداية حاول قيرس التظاهر بالسلام والدعوة إلى مذهبه الجديد “المونوثيلي” وهو محاولة توفيقية بين أتباع المذهب الملكاني واليعقوبي، وواقعياً الملكانيين نفسهم عارضوا المذهب أيضاً في البداية ولكنهم ارتضوا به أخيراً، إلا أن عناد الأقباط فيما يتعلق بالعقيدة لا حدود له، مما حدا بقيرس إلى استخدام العنف. وابتدأ الإضطهاد العظيم عند ذلك، ويتفق المؤرخون جميعا أنه استمر عشر سنوات، ولا يشك أحد في فظاعة ذلك الإضطهاد وشناعته، وقُتل فيه أخو البطريرك وتفصل سيرة صموئيل القلموني في شكل وبشاعة هذه الإضطهادات.
ويحلل بتلر – من وجهة نظره – كيف رأى الأقباط العرب المسلمين آنذاك:
“وليت شعرى ماذا كان يدور بنفوس أهل مصر إذ ذاك، وبأي عين كانوا ينظرون إلى تلك الحركة العظيمة التي ثارت في بلاد العرب، فما زالت حتى قرعت بلاد الشام وهزت مدائنها هزاً. إنا نقول، وإن قولنا لمما يشرف القبط، إننا لا نجد أقل دليل يبعثنا على الظن إنهم نظروا إلى تلك الحركة نظرة الميل والرضى. على أنهم لا بد قد بلغهم أن المسلمين يدعون للمسيحيين أمور دينهم، ولعلهم قد خطر بقلوبهم عند ذلك أن الخضوع للمسلمين قد يخفف من الآلام التي نغصت عليهم حياتهم، وأن نير المسلمين قد يكون أخف حملاً من نير الملك الأصيل في دين المسيح وهو هرقل. لا شك في أنهم قد كرهوا دين الإسلام، وتدل على ذلك كل صفحة من صفحات تاريخهم، ولكن سيف (قيرس) قطع آخر ما كان يربطهم إلى الدولة الرومانية من أسباب الولاء، وذلك لكثرة ما لاقوه في مدة السنوات العشر من الظلم الذي نزل بهم إلى حضيض من الشقاء لا أمل معه. فرأوا في مجيء المسلمين نازلة أرسلها الله لينتقم لهم بها من ظالميهم”.
يتبع
شنودة الأمير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى